1343هـ.. من هنا بدأت رحلة الإعلام
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- وحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، تحتفل اليوم جريدة أم القرى بمناسبة مرور 100 عام على تأسيسها.
بدأت الجريدة في عددها الأول قبل 100 عام بـ «عونك اللهم» لتكون بداية قصة تمتد أحداثها على مدى قرن من الزمان، فمنذ دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- مكة المكرمة، أمر بتأسيسها، حيث صدر عددها الأول في 15 جمادى الأولى 1343هـ الموافق 12 ديسمبر 1924م، أي قبل إعلان توحيد المملكة بنحو ثمانية أعوام، لتكون نافذتها نحو العالم الإسلامي، ونشر ما من شأنه أن يبصّر الناس فيما يصلح أمرهم خلال تلك الفترة.
رحلة جديدة
وبصدور هذا العدد 4928 تبدأ جريدة أم القرى رحلة جديدة في قرنها الثاني، عنوانها النهضة والتحول الرقمي.
وكان المنتج الأول للجريدة قد حمل نسخة من بلاغ الملك عبدالعزيز، الذي بيّن فيه خطته التي سار عليها خلال تلك الفترة، الأمر الذي كان بالنسبة للجريدة منطلقاً لتاريخ مليء بالتفاعلات، واجتماع نتاج الأدباء والسياسيين من مختلف الثقافات، على موائد صفحا «أم القرى»، وعلى صفحاتها كان ميلاد القرارات والأنظمة، ومنها بدأت النشاطات الاقتصادية والتجارية والصناعية المختلفة.
واختار لها اسماً مقتبساً من القرآن ومتوائماً مع موقعها الجغرافي بمكة المكرمة، فصدر عددها الأول محتوياً عدة وقائع وأحداث، أبرزها قصة وصول الملك عبدالعزيز إلى مكة المكرمة والتقائه أعيانها وعلماءها.
مصدر المعلومات
تعد «أم القرى» أحد أبرز مصادر المعلومات الرسمية، بما تحتفظ به من موجودات في أرشيفها، كالوثيقة التاريخية المنشورة في عددها الـ 388 التي كتبها الإمام سعود الكبير بخط يده، كما احتوت على مدى
30 عاماً من العقود الثلاثة الأولى لتأسيسها، على إنتاج أدبي وعلمي وثقافي، ووثّقت الأحداث العالمية، وكان لها مراسلون في دول خارجية.
وخلال مئة عام، مرت فيها «أم القرى» بأدوار عديدة، فلم تكن مجرد جريدة عادية، بل كانت مرآة للأدب والثقافة داخل المملكة، وإحدى أدوات التعبير عن النهضة والإصلاح اللذين قادهما الملك عبدالعزيز خلال العقود الأولى من تأسيسها، كما تعدّ أيضاً واحدة من أدوات توثيق الارتباط السعودي بحركة التنمية التي قادتها، لتكون شاهدة على عصر التحديث.
منهج صحفي
وبحسب الكاتب والمؤلف محمد القشعمي «لم تخضع مواد الجريدة في بداياتها لمنهج معين في الترتيب والتبويب، وعادة ما تناولت صفحتها الأولى افتتاحية العدد حيث خُصصَ لها الجانب الأيمن من الصفحة، وفي بعض الأعداد خُصصَ الجانب الأيسر للبلاغات الرسمية»، وتتنوع بقية المحتويات بين قصائد ومقالات وأخبار بعض الحوادث، ثم مرت بعد سنوات مضتها من الاكتفاء بالأخبار الرسمية وبعض الأخبار الدولية والمحلية والبلاغات والمراسيم وتوثيق المعاهدات إلى الاهتمام بالأدب والثقافة وروادها آنذاك، ومزيداً من الأخبار المتنوعة، مما دعا إدارة الجريدة إلى أن تطور من عمليات الإخراج والتبويب، فأدخلت الصور في بعض أعدادها وبشكل قليل، بعد أن مثل مظهرها سابقاً بدايات الصحافة السعودية، الذي خلا بوضوح من الصور والعناوين المثيرة.
مراحل التغيير
كما مرت الجريدة بعدة تغييرات في الشعار، إضافة إلى الترويسة التي ضمت في أوقات مختلفة أقوالاً مختارة، ومواقيت للصلاة، وتواريخ هجرية وميلادية، إضافة إلى الآية الكريمة «وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها».
ووفقاً للقشعمي فقد «صدرت الجريدة في أربع صفحات منذ بداياتها وارتفعت صفحاتها إلى ثمانية في بعض أعدادها وعادت كما بدأت لتصدر في أربع صفحات واستمرت على نهجها»، حتى شهدت أربعينيات القرن الميلادي الماضي، وتحديداً في عام 1941م، حدثاً بارزاً في مسيرة الجريدة، تجلى بما شهده العالم بأسره من أزمة الورق بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وصدرت حينها أوامر بإيقاف جميع الصحف السعودية باستثناء
«أم القرى»، إذ بعث الملك عبدالعزيز وزير المالية الشيخ عبدالله السليمان وقتها، لتأمين الورق من بعض الدول المجاورة وتوفيره، لتعود الجريدة للصدور من جديد، لكن بحجم صغير وبصفحتين فقط طيلة مدة الحرب، حتى لقبها بعضهم في ذلك الوقت بـ «المدللة».
أنماط جديدة
وقدمت «أم القرى» خلال مسيرتها عدداً من أنماط الحياة الجديدة لإثراء القرّاء، منها عدد مميز حمل صورة للمؤسس رحمه الله، بمناسبة ذكرى خمسين عاماً على دخول جلالته الرياض، ورقمه 1320 في تاريخ 4 شوال 1369هـ الموافق 19 يولية 1950م، كما شملت الأنماط الجديدة للجريدة استخدام خط جديد للعناوين «خط يد» بتاريخ 4 يناير 1957م، وفي 12 جمادى الأولى 1379هـ الموافق 13 نوفمبر 1959م، أصدرت الجريدة عدداً خاصاً رقم 1793مكوناً من ثماني صفحات بمناسبة ذكرى جلوس الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، حيث كان العدد مليئاً بالصور وبطريقة إخراجية مختلفة.
توسع متعدد
ووسّعت الجريدة من تخطيطها وتنظيمها لتضيف أقساماً متعددة وموضوعات مختلفة، شملت أخبار خادم الحرمين الشريفين وولي العهد، ووقائع جلسات مجلس الوزراء، والأوامر والمراسيم الملكية، والاتفاقات الدولية التي تُبرمها المملكة مع الدول والمنظمات الدولية، والقرارات الوزارية، وبيانات الديوان الملكي، إضافة إلى إعلانات المحكمة الإدارية، ومصلحة الجمارك، وإعلانات التجنس بالجنسية العربية السعودية، وإعلانات المنافسات الحكومية، والعلامات التجارية، وعقود تأسيس الشركات والمنشآت التجارية والاقتصادية والصناعية العاملة في القطاع الخاص.
إنتاج رقمي
وتماشياً مع التقدم الصحافي والتكنولوجي العالمي، حولت جريدة أم القرى جزءاً من جهودها إلى عملية إنتاج رقمي، محافظة في ذات الوقت على نصوصها الورقية، فطوّرت موقعها الإلكتروني أربع مرات، وعملت مع دارة الملك عبدالعزيز على معالجة جزء من محفوظات أرشيف الجريدة، وتحويلها إلى «ميكروفيلم».
ولعقود عديدة كانت تحافظ على نصيبها من التقدم الصناعي للمملكة، مما جعلها تخطو خطوات ثابتة نحو التطور بالنقلات الصحافية المتنوعة، والتي كان من أبرزها صدور أول عدد ملون يحمل الرقم ٤٣٩٢ بتاريخ 19 صفر 1433هـ الموافق 13 يناير 2012م.
نقلة نوعية
وتوالت بعدها خطوات التطوير المتلاحقة، لتشهد «أم القرى» نقلة نوعية جديدة في التصميم والإخراج اللذين أصبحا من سماتها المميزة خلال سنواتها الأخيرة، وجزءاً من خطتها لتمييز قرائها بسمات كبريات الصحف العالمية، وأفضلها في معايير جودة المنتج المقروء وتصاميمه، حيث تمتلك الجريدة آلات طباعة سريعة، ومطبعة ديجتال حديثة، وأحدث أجهزة نسخ ألواح الطباعة «CTP»، ويتم العمل حالياً على تطوير هويتها البصرية، وأيضاً على تطوير بنيتها الرقمية بالكامل، وعقد شراكات مع جهات حكومية لمزيد من التطور والنجاح.
أقدم جريدة
وبقراءتك هذه السطور تكون شاهداً على مرور 100 عام على صدور جريدة أم القرى، أول جريدة في المملكة العربية السعودية، والتي كان لها دور رئيسي في حفظ النتاج الأدبي والعلمي والثقافي السعودي، إذ سبقت موجة تأسيس الجرائد الورقية، وثورة التكنولوجيا الرقمية، فكانت النافذة التي يبصر من خلالها السعوديون أنفسهم أولاً، والعالم ثانياً.